أخبار الدنماركالدنمارك بالعربي

الرياضة للأطفال البيض فقط في الدنمارك

مشكلة انتشار العنصرية على أساس العرق واللون عميقة في الدنمارك، وهو ما خلصت إليه دراسة لاتحاد كرة القدم

نيكلاس سورنسن (13 عاماً)، طفل دنماركي بشرته أقرب إلى العرب واللاتينيين، إذ إنّ والده برازيلي (لم يره منذ 10 أعوام) وأمه دنماركية، ارتاد منذ كان في الرابعة نادياً لكرة القدم، لكنّه منذ ذلك الوقت، يواجه عنصرية من أقرانه. أطفال آخرون من أبناء المهاجرين واجهوا ما واجهه هذا الطفل، ما أجبر غالبية هؤلاء، ومن بينهم أطفال من أصل عربي، على التوقف تماماً عن ممارسة الرياضة.
يستغرب الاتحاد الرياضي الدنماركي لكرة القدم غياب الأطفال من أصحاب البشرة الداكنة من مواطني البلاد عن كرة القدم وغيرها من الألعاب الرياضية. ولأنّ المهاجرين يشكلون نسبة 13.5 في المائة من مجموع سكان الدنمارك البالغ عددهم 5.5 ملايين نسمة، ولا تلتحق من أطفالهم بكرة القدم سوى نسبة ضئيلة، فقد أراد الاتحاد البحث عن الأسباب، ليخلص من خلال استطلاع وبحث ميدانيين إلى أنّ العنصرية سبب رئيسي في ما يجري داخل هذه المملكة الاسكندينافية التي تعزز فيها ما يشبه الفصل بين الإثنيات على خلفية لون البشرة. فحتى لو كان الاسم دنماركياً خالصاً، مثل نيكلاس سورنسن، فذلك لم يمنع أطفالاً آخرين من نعته بألقاب عنصرية قاسية بسبب لون بشرته.

الطفل نيكلاس، الذي يلعب لنادي “روسلينغ بي كي” في روسلينغ، جنوب وسط الدنمارك، يختصر معاناة نفسية عميقة لدى النشء ممن لا تماثل بشرتهم بشرة الغالبية البيضاء في البلاد. فاتحاد الكرة الدنماركي، برئاسة مدير التواصل فيه ياكوب هوير، أراد معرفة أسباب استنكاف الفئة العمرية تحت الخامسة عشرة عن لعب كرة القدم، من خلال بحث علمي استقصائي حول التنوع أجراه الاتحاد هذا العام، بالتعاون مع معهد “كانتار غالوب”، فكانت النتيجة صادمة، وهو ما دفع القناة الرسمية الدنماركية “دي آر” إلى تسليط الضوء على الفتى نيكلاس، ومعاناته في فريقه. الخلاصة التي توصل إليها معهد الاستقصاء تعكس ببساطة نسبة العنصرية نفسها التي يعانيها من هم من أصول مهاجرة أو من يتحدرون منهم في كلّ القطاعات. فواحد من كلّ ثلاثة من هؤلاء يعاني من العنصرية، ولا يستثنى من ذلك النشء الذين حاولوا أن يكونوا جزءاً من اللعبة الشعبية، ما حرم أكثر من نصفهم من استكمال حلمهم بسبب تعليقات وعنف الأقران في الفرق الأخرى وجماهيرها.
ولاستعراض أمثلة على ما يعانيه هؤلاء من انتشار للعنصرية على أساس اللون، استحضرت القناة الدنماركية قصة نيكلاس سورنس، وهو يشبه إلى حدّ بعيد سكان منطقة البحر الأبيض المتوسط وأميركا اللاتينية، ولا يشبه الاسكندينافيين تماماً، بالرغم من أنّ أمه دنماركية الأصل. يذكر نيكلاس أنّ آخر ما وجه إليه من نعوت عنصرية قاسية كان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أثناء مباراة ضد نادٍ آخر، حين نعته لاعب في الفريق الآخر بـ”الخنزير الأسود” و”القرد” وبكلمة بذيئة جداً، كما هدد جمهور الفريق المنافس بـ”تحطيم ذلك الأجنبي بعد المباراة”. زملاؤه في الفريق أخبروه، بعدما كُشف الاعتداء عليه، بأنّهم لطالما كانوا يسمعون لاعبي الفرق الأخرى والجمهور ينعتونه نعوتاً عنصرية ويتوعدونه بالضرب.
مسؤول التواصل في اتحاد كرة القدم الدنماركي، ياكوب هوير، اعتبر تلك النتيجة “أمراً فظيعاً جداً، سواء تعلق الأمر بشخص أو مائة أو ألف، فتلك تجربة مريرة ومروعة وتمنع الأطفال من ممارسة الرياضة التي يريدونها بسبب أصلهم العرقي، فكرة القدم يفترض أنّها تخلق مجتمعاً فيه جسور بين البشر بغض النظر عن اللون”.

في شهادته، التي تشبه شهادات أطفال آخرين ولدوا وكبروا في هذا البلد، ذكر نيكلاس سورنسن أنّ أصعب ما واجهه “أن يصرخ الأطفال الدنماركيون مرددين: عد إلى بلادك أيّها الخنزير الأسود”. تلك الشهادة عن عنصرية أطفال توحي لكثير من الباحثين والخبراء بـ”وجود عنصرية مترسخة بين الأسر الدنماركية” كما يرى اليسار الدنماركي، في ظلّ رفض يمين ويسار الوسط الاعتراف بتفشي العنصرية في مجتمع البلاد. والدة نيكلاس، بيرنيلا سورنسن، وزوجها الذي رباه كيم سورنسن، يريان في تصريحات للتلفزيون الدنماركي أنّ “تأصل العنصرية أمر صعب وينعكس نفسياً على نيكلاس، ولا يجب السماح على الإطلاق بأن تنتشر العنصرية على أساس اللون، إن في الرياضة أو غيرها”. آباء آخرون، من أصول غير دنماركية، يختارون سحب أطفالهم من حصص الرياضة بعد سماعهم تعليقات عنصرية بحقهم وحق من هم حتى في الرابعة والخامسة من العمر، وهو ما عاناه أيضاً نيكلاس منذ التحق بكرة القدم وهو في الرابعة.
وتخلص دراسة “كانتار غالوب” لمصلحة اتحاد الكرة، إلى أنّه فقط 4.5 في المائة من النشء (دون 15 عاماً)، من أصحاب البشرة الداكنة، يلعبون كرة القدم، على الرغم من أنّهم 13.5 في المائة من مجموع نشء الدنمارك. الدراسة تكشف أنّ نعوتاً عنصرية خطيرة يتعرض لها الأطفال من ذوي البشرة الداكنة “لا يطلقها فقط أولئك الذين لا يعرفونهم، بل تلاميذ من مدارسهم، ومن بين أصدقائهم حتى”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى